الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
رَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ- قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} السَّبِيلُ: الطَّرِيقُ السَّهْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْحِسِّيِّ مِنْهُ وَالْمَعْنَوِيِّ فِي الْخَيْرِ وَفِي الشَّرِّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (6: 153) و(مَنْ) لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ الْعَامِّ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ قَوْلُكَ: مَا عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَإِنْ كَانَ عَامًّا، فَقَوْلُكَ مَا عَلَى فُلَانٍ مِنْ سَبِيلٍ- مَعْنَاهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَدْنَى طَرِيقٍ يَسْلُكُهَا لِمُؤَاخَذَتِهِ أَوِ النَّيْلِ مِنْهُ، فَكُلُّ السُّبُلِ مَسْدُودَةٌ دُونَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَالْمُحْسِنُونَ ضِدُّ الْمُسِيئِينَ، وَهُوَ عَامٌّ فِيَ كُلِّ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (2: 112) الْآيَةَ. وَالشَّرْعُ الْإِلَهِيُّ يَجْزِي الْمُحْسِنَ بِأَضْعَافِ إِحْسَانِهِ، وَلَا يُؤَاخَذُ وَلَا يُعَاقَبُ الْمُسِيءُ إِلَّا بِقَدْرِ إِسَاءَتِهِ، فَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ الْمَعْذُورُونَ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ مُحْسِنِينَ فِي سَائِرِ أَعْمَالِهِمْ بِالنُّصْحِ الْمَذْكُورِ، انْقَطَعَتْ طُرُقُ الْمُؤَاخَذَةِ دُونَهُمْ، وَالْإِحْسَانُ أَعَمُّ مِنَ النُّصْحِ الْمَذْكُورِ، فَالْجُمْلَةُ تَتَضَمَّنُ تَعْلِيلَ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ بِمَا يَنْتَظِمُونَ بِهِ فِي سِلْكِ الْمُحْسِنِينَ، فَيَكُونُ رَفْعُهُ عَنْهُمْ مَقْرُونًا بِالدَّلِيلِ، فَكُلُّ نَاصِحٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُحْسِنٌ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مُؤَاخَذَةِ الْمُحْسِنِ، وَإِيقَاعِهِ فِي الْحَرَجِ، وَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي أَعْلَى مَكَانَةٍ مِنْ أَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ.وَلَمَّا ذُكِرَ رَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ عَنْهُمْ بِإِحْسَانِهِمُ السُّلُوكَ فِيمَا هُمْ مَعْذُورُونَ فِيهِ مِنَ الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْمَقَامُ، قَفَّى عَلَيْهِ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِمْ، وَالصَّفْحِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِيمَا عَدَاهُ، عَلَى قَاعِدَةِ: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (55: 60)؟ فَقَالَ: {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أَيْ: وَهُوَ تَعَالَى كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ، فَهُوَ يَسْتُرُ عَلَى الْمُقَصِّرِينَ مَا لَا يَخْلُو مِنْهُ الْبَشَرُ مِنْ ضَعْفٍ- فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ- لَا يُنَافِي الْإِخْلَاصَ وَالنُّصْحَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ، وَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَتِهِ فِي عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ الْمُسِيئُونَ عَمَلًا وَنِيَّةً، فَإِنَّمَا يَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إِذَا تَابُوا مِنْ نِفَاقِهِمُ الْبَاعِثِ لَهُمْ عَلَى إِسَاءَتِهِمْ.{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى وَالْفُقَرَاءِ، وَنَفْيِ السَّبِيلِ عَنِ الْمُحْسِنِينَ، أَيْ: لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِشَرْطِهِ، وَلَا سَبِيلَ عَلَى الْمُحْسِنِ مِنْهُمْ فِي قُعُودِهِ، وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عَلَى الرَّوَاحِلِ فَيَخْرُجُوا مَعَكَ فَلَمْ تَجِدْ مَا تَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ إِلَخْ. وَهَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ يَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ لِلْجِهَادِ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ كَغَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ فَقْدُهُمُ الرَّوَاحِلَ الَّتِي تَحْمِلُهُمْ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. يُقَالُ: حَمَلَهُ عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ: أَرْكَبَهُ إِيَّاهُ أَوْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ لِيَرْكَبَهُ، وَكَانَ الطَّالِبُ لِظَهْرٍ يَرْكَبَهُ يَقُولُ لِمَنْ يَطْلُبُهُ مِنْهُ احْمِلْنِي.ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ هَؤُلَاءِ بَعْدَ جَوَابِ الرَّسُولِ لَهُمْ بَيَانًا مُسْتَأْنَفًا فَقَالَ: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} أَيْ: انْصَرَفُوا مِنْ مَجْلِسِكَ وَهُمْ فِي حَالٍ بُكَاءٍ شَدِيدٍ هَاجَهُ حُزْنٌ عَمِيقٌ فَكَانَتْ أَعْيُنُهُمْ تَمْتَلِئُ دَمْعًا، فَيَتَدَفَّقُ فَائِضًا مِنْ جَوَانِبِهَا تَدَفُّقًا، حَتَّى كَأَنَّهَا ذَابَتْ فَصَارَتْ دَمْعًا، فَسَالَتْ هَمُّهَا {حَزْنًا} مِنْهُمْ وَأَسَفًا {أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} أَيْ: عَلَى عَدَمِ وُجْدَانِهِمْ عِنْدَكَ وَلَا عِنْدَهُمْ مَا يُنْفِقُونَ، وَلَا مَا يَرْكَبُونَ فِي خُرُوجِهِمْ مَعَكَ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ.أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ أَنْ يَنْبَعِثُوا غَازِينَ، فَجَاءَتْ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ احْمِلْنَا، فَقَالَ: «وَاللهِ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» فَتَوَلَّوْا وَلَهُمْ بُكَاءٌ، وَعَزَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحْبَسُوا عَنِ الْجِهَادِ، وَلَا يَجِدُونَ نَفَقَةً وَلَا مَحْمَلًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عُذْرَهُمْ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ الْآيَةَ. وَخَرَّجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْمِلُونَهُ فَقَالَ: «لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الْآيَةَ. وَذَكَرَ الْبُطُونَ الَّتِي يُنْسَبُونَ إِلَيْهَا، وَهُنَالِكَ رِوَايَاتٌ أُخْرَى فِي عَدَدِهِمْ وَبُطُونِهِمْ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ الْبَكَّائِينَ، وَهُنَالِكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُمْ مَا سَأَلُوهُ صلى الله عليه وسلم إِلَّا الْحُمْلَانَ عَلَى النِّعَالِ، وَرِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ الزَّادَ وَالْمَاءَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ كُلِّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ الْكَبِيرَةِ، وَلَكِنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِطِلَابِ الرَّوَاحِلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ اللَّفْظِ.وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْإِتْيَانِ لِأَجْلِ الْحَمْلِ، وَالِاعْتِذَارِ عَنْهُ بِعَدَمِ وُجْدَانِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ دُونَ ذِكْرِ جِنْسِهِ مِنْ رَاحِلَةٍ وَدَابَّةٍ، هِيَ إِفَادَةُ الْعُمُومُ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مُرِيدُ السَّيْرِ فَتَدْخُلُ فِيهِ مَرَاكِبُ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ مَرَاكِبِ النَّقْلِ الْبَرِّيَّةِ وَالْهَوَائِيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ، وَيَتَحَقَّقُ الْعُذْرُ بِفَقْدِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهَا فِي كُلِّ سَفَرٍ بِحَسَبِهِ، وَفَقْدِ الْعُذْرِ بِوُجُودِهِ، فَوُجُودُ الْخَيْلِ وَالْجِمَالِ وَالْبِغَالِ لَا يَنْفِي الْعُذْرَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُقْطَعُ فِي الْقِطَارَاتِ الْحَدِيدِيَّةِ أَوِ السَّيَّارَاتِ، أَوِ الْمَنَاطِيدِ أَوِ الطَّيَّارَاتِ.لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ أُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، بَقِيَ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِمُ السَّبِيلُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَذَكَرَهُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا السَّبِيلُ} الْوَاضِحُ السَّوِيُّ أَوْصَلُ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ بِالْحَقِّ {عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ} أَيْ: {أَغْنِيَاءُ} يَطْلُبُونَ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الْقُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ عَنِ النَّفْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ فِي حَالِ هَذَا الِاسْتِئْذَانِ وَمِنْ قَبْلِهِ، قَادِرُونَ عَلَى إِعْدَادِ الْعُدَّةِ لَهُ مِنْ زَادٍ وَرَوَاحِلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِمَاذَا؟ {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} أَيْ: رَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَالْخَالِفِينَ، مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ وَالْمَعْذُورِينَ بَلْ مَعَ الْفَاسِدِي الْأَخْلَاقِ الْمُفْسِدِينَ {وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فَأَحَاطَ بِهِمْ مَا جَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ، بِحَسَبِ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي أَمْثَالِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كُنْهَ حَالِهِمْ، وَلَا سُوءَ مَآلِهِمْ، وَمَا هُوَ سَبَبُهُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَأَمَّا حَالُهُمْ فِي التَّخَلُّفِ وَطَلَبِ الْقُعُودِ مَعَ الْخَوَالِفِ بِغَيْرِ أَدْنَى عُذْرٍ، فَهُوَ رِضًا بِالذُّلِّ وَالْمَهَانَةِ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْأَفْرَادِ عَنِ الْقِتَالِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ الشُّعُوبُ وَالْأَقْوَامُ، وَرِضَاءَ الرِّجَالِ بِالِانْتِظَامِ فِي سِلْكِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، يُعَدُّ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْخِزْيِ وَالْعَارِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَقْوَى آيَاتِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَأَمَّا مَآلُهُمْ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِمْ فَهُوَ مَا فَضَحَهُمُ اللهُ بِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَمَا شَرَعَهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ جِهَادِهِمْ وَإِهَانَتِهِمْ، وَعَدَمِ الْعَوْدِ إِلَى مُعَامَلَتِهِمْ بِظَاهِرِ إِسْلَامِهِمْ، وَمَا أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَالْخِزْيِ الدَّائِمِ فِي نَارِ الْجَحِيمِ.وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ بِمَعْنَى الْآيَاتِ (86، 87، 88) وَلَكِنْ أَسْنَدَ فِعْلَ الطَّبْعِ عَلَى الْقُلُوبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُنَالِكَ أَسْنَدَ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ بَيَانُ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فِي عَلَاقَةِ الْأَعْمَالِ، بِالْعَقَائِدِ وَالسَّجَايَا وَالْأَخْلَاقِ، إِلَّا أَنَّ التَّصْرِيحَ بِاسْمِ اللهِ تَعَالَى فِيهِ مَزِيدُ إِهَانَةٍ لَهُمْ. وَعَبَّرَ هُنَا بِالْعِلْمِ وَهُنَاكَ بِالْفِقْهِ، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ وَالْعِرْفَانُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَكِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ الْعِلْمِ تَيَقُّنُ الْمَعْلُومِ، وَمِنَ الْفِقْهِ تَأْثِيرُ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ.نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُوقِنِينَ، الْفُقَهَاءِ الْمُعْتَبِرِينَ، الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، الْعَامِلِينَ الْمُخْلِصِينَ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِإِتْمَامِ تَفْسِيرِ كِتَابِهِ بِالْحَقِّ، النَّافِعِ لِلْخَلْقِ، وَيَهْدِينَا جَمِيعًا لِلْعَمَلِ بِهِ، وَالِاسْتِضَاءَةِ بِنُورِهِ، وَيُؤْتِي هَذِهِ الْأُمَّةَ بِهِ مَا وَعَدَهَا مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.تَمَّ تَفْسِيرُ الْجُزْءِ الْعَاشِرِ كِتَابَةً وَتَحْرِيرًا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ سَنَةَ 1349- وَقَدِ اعْتَمَدْنَا جَعْلَ آيَةِ 93 {إِنَّمَا السَّبِيلُ} إِلَخْ مِنْهُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الَّذِي كَانَتْ بِهِ مُتَمِّمَةً لِمَا قَبْلَهَا، وَهِيَ فِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ أَوَّلُ الْجُزْءِ الْحَادِي عَشَرَ- وَكُنَّا بَدْأَنَا بِهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ 1346 وَنُشِرَ فِي الْمُجَلَّدَاتِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ وَالْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ مِنَ الْمَنَارِ.وَنَرْجُو أَنْ يُوَفِّقَنَا اللهُ تَعَالَى لِإِنْجَازِ تَفْسِيرِ كُلِّ جُزْءٍ مِمَّا بَقِيَ فِي أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ.مَعَ الِاخْتِصَارِ غَيْرِ الْمُخِلِّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. اهـ.
وقوله: . اهـ.
قوله جلّ ذكره: {رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ}.قيل في التفسير: مع النساء في البيوت.والإسلام يثني على الشجاعة، وفي الخبر: إنْ الله تعالى يحب الشجاعة، ولو على قتل حية، وفي معناه أنشدوا: ومَنْ استوطن مركبَ الكسلِ، واكتسى لِبَاسَ الفَشَلِ، ورَكَنَ إلى مخاريق الحِيَل- حُرِمَ استحقاقَ القُربة. ومَنْ أراد اللهُ- تعالى- هَوَانَه، وأذاقه خِذْلانَه، فليس له عن حكم الله مناصٌ. اهـ.
|